ونحن عندما نركز اليوم على
اليمن بالذات, أو الجزء الجنوبي أو الخصب من
جزيرة العرب؛ فإنما نقدم حقائق إضافية إلى ما قدمنا فيما سبق وتقدم عن الحضارة في جنوب
العراق , وفي أجزاء من بلاد
الشام .فالحضارة التي نشأت في بلاد
اليمن لا تزال في نظرنا وتقديرنا مهملة إلى حد كبير إذا ما قورنت بالحضارات الأخرى، بعد أن كانت نظرة الباحثين إلى أن أقدم الحضارات هو ما وجد في
مصر أو في
بلاد الرافدين، في إمكاننا نحن أن نقدم نظرية أخرى ونقول: إن أقدم من هاتين الحضارتين هي الحضارة اليمنية، ولكنها لم تحظ بالعناية الكافية في حدود ما اطلعنا عليه وما علمنا؛ لأن المشكلة الكبرى التي ناقشناها في أوائل هذه الحلقات: الفجوة الكبيرة بين نشأة البشرية وبين آدم ونوح عليهما السلام، وبين إبراهيم عليه السلام ومن جاء بعده، هذه الفجوة الكبرى أكبر من أن يمكن أن يغطيها ويسدها هو التاريخ اليمني الواسع الممتد، وقد جاء ذلك صريحاً في المصدر الموثوق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ وهو القرآن الكريم، حيث نجد صراحة أن عاداً بعد قوم نوح ثم ثمود بعدهم، ثم بعد ذلك بآماد يأتي إبراهيم عليه السلام.طبعاً ثمود في شمال
جزيرة العرب، والظاهر أنها غطت
جزيرة العرب جميعاً, وكثيراً من أرجاء العالم القديم؛ لكن في هذه المرحلة يهمنا جداً معرفة عاد، فهي أقدم باتفاق أهل العلم من ثمود، ومع ذلك فهذه الحضارة التي لا تكاد تذكر في التاريخ البحثي أو التاريخ العلماني هذه حضارة أهملت، ونجد عندما يتعرض هذا التاريخ
لليمن وللحضارة ولنشأتها وللدين في
اليمن ، فإنه يتكلم عن حضارة
سبأ -على سبيل المثال- وبعض الحضارات المعينية أو القتبانية وما أشبه ذلك، التي هي قريبة جداً من الألف الأول أو بعده، -ما بين سليمان عليه السلام والمسيح, في فترة تعتبر قريبة وحديثة- تعتبر بالتأصيل الذي ذكرناه نحن وقلنا: إنه جاء في القرآن: أن التاريخ الحديث أو المتأخر يبدأ من هلاك فرعون, ومن إنزال
التوراة ، فإذاً تعتبر فترة حديثة جداً.فأين عهد موسى عليه السلام وإنزال
التوراة من عهد عاد؟! آلاف من السنين وأحقاب واضحة جداً لمن يقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى، ولمن يتأمل في السنة الصحيحة, ولمن ينظر إلى التاريخ المشهور المتواتر عند العرب.ولا يصح بأي حال من الأحوال أن نقول: إن هذه أساطير, وكما يقول المستشرقون ويزعمون: هذه روايات عربية.. تقاليد عربية, وما أشبه ذلك، وننظر بالجانب الآخر إلى كلام المؤرخين الغربيين أو اليونانيين المتأخرين -حتى زمنياً- على أنه هو الحقيقة أو هو أقرب للحقيقة!
هيرودوت أو
تيودور الصقلي أو ما أشبههم، لمَ يكون كلام هؤلاء حقائق أو تاريخ موثق وعليه بعض التحفظات، وأما يقوله الكتاب العرب أو ما يحفظه العرب من تراث أو ما تنطق به النقوش العربية؛ فإنه يعد وكأنه أساطير أو شبه أساطير؟! لا بد أن ننظر نظرة منصفة إلى ذلك.